الصحة النفسية
"تمكين التغيير":
التعامل مع نتيجة إيجابية لفيروس نقص المناعة البشرية
ساهم التقدم الطبي في تعزيز فعالية العلاجات المتاحة لفيروس نقص المناعة البشري بدرجة كبيرة، فلم يعد الفيروس يشكل عبئًا حياتيًا وصحيًا على المتعايشين معه. ولكن ما زال تلقّي نتيجة إيجابية تجربةً مشحونة بمشاعر الغضب والخوف والصدمة والحزن والإنكار وحتى الاكتئاب. وتأتي الوصمة الاجتماعية لتضع الأشخاص أمام مواقف صعبة تعرّضهم للتمييز، فيطغى وضعهم الجديد على كلّ جوانب حياتهم ويُشعرهم بالخطر على صحتهم وعملهم وصداقاتهم وحياتهم الجنسية. وقد يجد المتعايشون مع الفيروس أنفسهم مثقلين بأعباء إضافية نتيجة التغييرات الكبيرة التي تطرأ على حياتهم وكثرة المواعيد الطبية وضرورة الالتزام بخطة العلاج، ويزداد هذا الوضع صعوبةً في ظل نقص المعلومات الدقيقة وانتشار المفاهيم الخاطئة، ما يؤدي إلى قلق متزايد، ويخلق تحديات لجهة الالتزام بسلوكيات الوقاية، ويعيق الوصول إلى مقدمي الرعاية الطبية.
إنّ التعامل مع هذه المشاعر المعقدة مسألة ضرورية للصحة والسلامة الشخصية. وعلى الرغم من أنّ التعايش مع الوضع الجديد قد يبدو صعبًا، إلّا أنّ تقبّل هذه المشاعر والتحكم بها يمنحان الأشخاص القدرة على التأقلم وتعزيز صحتهم النفسية وتحسين نوعية حياتهم بشكل عام. وقد يواجه المتعايشون مع الفيروس صعوبات في التعبير عن مشاعرهم، إلّا أنّه يجب عدم تجاهل هذه المشاعر أبدًا، فالشعور بالحزن أو الارتباك أو الضغط أمر طبيعي. لذا فإنّ التحدث عن هذه المشاعر وطلب المساعدة من خلال خدمات المشورة المناسبة من شأنه أن يوفر الدعم اللازم.
لا شكّ في أنّ استيعاب وتذكّر كل المعلومات المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشري وخطة العلاج يبدو مرهقًا، لكنّ تقسيمها إلى خطوات بسيطة قد يسهّل العملية. وهنا نحثّ كل الأشخاص على استكشاف الخيارات التي تناسبهم مع التذكير بأنّ لهم الحق في استشارة مقدمي الرعاية الصحية متى شاؤوا لتأكيد المعلومات التي لديهم. ونشجّع الجميع على أخذ وقتهم لاستيعاب التفاصيل المهمة المتعلقة بخيارات الرعاية المتاحة ونظام الرعاية الصحية، مع الحرص على راحتهم واتخاذهم قرارات مستنيرة طوال مسيرة العلاج.
تذكروا دائمًا أنكم لستم وحدكم.
نحن دومًا بجانبكم لمساندتكم وتمكينكم من عيش حياةٍ مفعمة بأجمل اللحظات.
"شفاء العقل":
الرعاية الذاتية وإدارة الإجهاد.
بمجرد أن يتصالح الأشخاص مع وضعهم الجديد، قد يجدون أنفسهم مستعدين للانطلاق في رحلة العناية الذاتية لمدى الحياة. ولا بدّ من تبنّي نظرة شاملة للحياة لتحسين الصحة عمومًا. وقد تبدو هذه التغييرات صعبة، إلا أنها تمنح الأشخاص القدرة على التأقلم مع التحديات، وتقوي الجهاز المناعي، وتُحسّن نوعية الحياة. كما أن تحديد أهداف واقعية وقابلة للتحقيق يُعزز من شعور الإنجاز ويمنح الأشخاص شعوراً بالتحكم في مسار حياتهم.
التعرف أكثر إلى فيروس نقص المناعة البشرية وفهم تأثيره على الجسم واستيعاب خطة العلاج جيدًا، بما في ذلك آلية عمل العلاج وآثاره الجانبية وتداعياته على الحياة. هذه المعلومات تساعد الأشخاص في اتخاذ قرارات مستنيرة في مختلف جوانب حياتهم وتمكّنهم من تخفيف القلق والتعايش مع الفيروس بسهولة أكبر.
تقبّل التغييرات الناتجة عن التعايش مع الفيروس، بدءًا من نمط الحياة إلى التغذية والأدوية، وهنا تكمن أهمية إيجاد الوتيرة المناسبة لتبنّي العادات الصحية بصورة تدريجية. تساعد هذه الطريقة الأشخاص في الانتقال بسلاسة إلى نمط حياة أكثر صحة دون الشعور بالخوف أو الضغط.
ممارسة تقنيات الاسترخاء والتركيز الذهني، مثل التأمل وتمارين التنفس واليوغا، ما يساعد في السيطرة على التوتر وتحسين الصحة النفسية. كما أنّ ممارسة التمارين البدنية لا تعود بالفائدة على الجسم فقط بل تساعد في التخلص من التوتر والخوف والعصبية التي قد يشعر بها الأشخاص.
استكشاف الموارد المجتمعية المتاحة، كالعلاج النفسي والعلاج الجماعي والتواصل مع من مرّوا بتجارب مشابهة، وذلك من خلال مجموعات الدعم أو المنتديات الإلكترونية، وهو ما يساعد الأشخاص في الحصول على الدعم والإرشاد لإيجاد آليات التكيف التي تناسبهم. إنّ مشاركة مخاوفنا ومشاعرنا ضمن مجموعة مساندة مهمّ جدًّا لتحقيق الاستقرار النفسي وفهم الذات بصورة أفضل.
تلعب الصحة النفسية دورًا جوهريًا في تعزيز الصحة الجسدية والجهاز المناعي، فمن خلال تقبّل أفكارنا ومخاوفنا ومشاعرنا ومشاركتها مع مجموعات الدعم التي نختارها، نتمكّن من تحقيق الاستقرار النفسي وتدعيم جهازنا المناعي.
تشكّل الصحة النفسية جزءًا لا يتجزأ من الرعاية المتكاملة، والاعتراف بذلك له تأثير إيجابي على تكيّف الجسم مع الفيروس. والصحة النفسية وسيلة فعالة للتغلب على التحديات التي يفرضها الفيروس وتمهيد الطريق أمام حياة أفضل.
"الكشف عن المرونة":
الإفصاح
من المؤكد أنّ الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري مسألة شخصية بالكامل. وقرار الإفصاح عنها قرار شخصي مشحون بمشاعر القلق والخِزي والذنب. وصحيح أنّ الإفصاح له تأثير كبير على العلاقات، إلّا أنّ التكتم سيضع عبئًا ثقيلًا علينا، لذا من الممكن أن تكون مصارحة الآخرين بحالتنا تجربة تُشعِرنا بالراحة وتمدّنا بالقوة وتقرّبنا منهم.
لا شك في أن إخبار الغير بحالتنا قرار ينطوي على تحديات عديدة كالخوف من الوصمة أو العزلة أو الرغبة في حماية من نحبّ. ويزداد الأمر صعوبة نتيجة النقص في المعلومات الشاملة والموثوقة عن الفيروس.
الإفصاح قرار شخصي بحت، ولا توجد طريقة صحيحة أو خطأ ما دام الشخص يولي الأولوية لراحته الشخصية وينتظر التوقيت المناسب لمشاركة المعلومة. إليكم بعض النصائح قبل الإفصاح عن حالتكم:
ثقّفوا أنفسكم حول الفيروس وخيارات العلاج: احصلوا على معلومات دقيقة وحديثة عن فيروس نقص المناعة البشري، فهذا سيساعدكم على مشاركة الحقائق بفعالية والتصدي لأي أفكار خاطئة لدى الآخرين.
قيّموا استعدادكم: قيّموا مدى استعدادكم الشخصي وارتياحكم قبل التحدث عن حالتكم وتأكدوا من أنكم مستعدون نفسيًا لمصارحة الآخرين.
اختاروا التوقيت والمكان المناسبين: تأكدوا من اختيار التوقيت والمكان المناسبين للإفصاح، بما يضمن خصوصيتكم ويسمح لكم بخوض نقاش صريح بمعزل عن أي مشتّتات خارجية.
ابدؤوا بالأشخاص المقربين الذين تثقون بهم: ابدؤوا بإخبار من تشعرون أنهم أهل للثقة وسيساندونكم، فهذا سيساعدكم في إقامة مساحة آمنة وشبكة داعمة ومتفهمة.
تحضّروا لردود أفعال مختلفة: قد يبدي بعض الأشخاص دعمهم وتفهمهم، فيما يحتاج آخرون لبعض الوقت لاستيعاب وتقبل الفكرة، وهناك من سينهال عليكم بالأسئلة وكأنه يستجوبكم.
شاركوا المعلومة بالوتيرة التي تناسبكم: لستم ملزمين بالإفصاح عن حالتكم للجميع، ولا بأس إن اكتفيتم بمشاركة ما ترتاحون له.
ناقشوا الخصوصية: تحدثوا عن توقعاتكم بشأن الخصوصية، مؤكدين على رغبتكم في إبقاء الموضوع سرًّا وألّا تتم مشاركة مشاركته دون إذنكم.
استشيروا متخصصين إذا لزم الأمر: يستطيع مقدمو الرعاية الصحية أن يزوّدوكم بإرشادات ونصائح عن كيفية الإفصاح، خصوصًا إن كنتم قلقين أو محتارين بشأن العملية.
فكروا في التبعات القانونية والطبية: تعرفوا جيدًا إلى الوضع القانوني في منطقتكم لناحية متطلبات الإفصاح. فبالرغم من أنّه قد لا تكون هناك أي التزامات قانونية في العديد من الأماكن، إلّا أنّ مصارحة مقدمي الرعاية الصحية بحالتكم قد يساعدكم في الحصول على رعاية أفضل تحميكم أنتم ومقدم الرعاية الصحية.
ابنوا شبكة دعم: يمكن لشبكة الدعم المكوّنة من أصدقاء أو أفراد عائلة أو مجموعات دعم أن توفر لكم الدعم النفسي قبل الإفصاح وخلاله وبعده.
حالتكم الصحية لا تحدد هويتكم، ومشاركة هذه المعلومة ليست إلّا جانبًا واحدًا من حياتكم!
"ما وراء التسمية":
المناصرة والتمكين | الحد من الوصم والتمييز
سواء كان الشخص متعايشًا مع فيروس نقص المناعة البشرية أم لا، فإنه لا غنى عن الدعم الذي يوفّره الأصدقاء والأسرة ومقدمو الرعاية لتعزيز الرفاهية والقدرة على التأقلم مع التحديات، حتى تلك التي ليست مرتبطة بالفيروس. تخلق شبكة الدعم هذه بيئة شمولية تخلو من الوصمة وتقوم على مبدأ التكاتف بين أفراد المجتمع.
قد تمنعنا أحيانًا الوصمة والتمييز والخوف من الأحكام من طلب المساعدة. لذا فإن مشاركة المعرفة ونشر المعلومات الحديثة حول فيروس نقص المناعة البشرية يساهمان في مكافحة التابوهات والمفاهيم الخاطئة التي تعرّض الأشخاص للوصمة وتضع العقبات أمامهم. ولكي نبني مجتمعًا أكثر تعاطفًا واطلاعًا، لا بدّ من تهيئة بيئة آمنة تشجّع على إجراء الفحوصات وطلب الدعم.
لا تقتصر أهمية النقاشات الصريحة ضمن هذه الشبكات على خلق مساحة آمنة للأشخاص المتعايشين مع الفيروس، بل تزودهم بما يلزم لإيجاد الدعم والتفهّم، بالإضافة إلى أنسنة تجربتهم مع فيروس نقص المناعة البشرية وتفكيك الصور النمطية التي ترافقها.
نشدد على أهمية الفحص الدوري، وطلب الدعم النفسي، ومواكبة آخر المعلومات المتعلقة بالعلاج ونشر المعرفة حول فعاليته.
بقلم:
كريستال لحود | مثقفة صحة جنسية وقابلة قانونية
كريستال لحود مثقفة صحة جنسية في مرسى حائزة على شهادة الليسانس (بكالوريوس) في القبالة القانونية وتسعى حاليًا إلى نيل شهادة الماجستير في علم النفس السريري. تكرّس كريستال جهودها في سبيل التوعية بقضايا الصحة الجنسية والإنجابية ومناصرتها.