الموافقة والعلاقات الصحية
يقع التراضي في صميم كل تجربة جنسية سليمة ومحمية، والتواصل الفعال ضروري لتحقيق هذا التراضي والحفاظ عليه، بما يضمن أنّ جميع أطراف العلاقة ينعمون بالرفاه والتمكين الجنسي.
لإقامة تواصل إيجابي وبناء علاقات سليمة، لا بدّ من:
الوعي الذاتي:
الاستكشاف الجنسي مهمّ لصحتنا وعلاقاتنا ولذّتنا الجنسية، ويجب أن نحرص على إثراء معلوماتنا من خلال قراءة المحتوى التثقيفي الإيجابي حيال الجنس ومشاهدته ومناقشته، فهذا يحسّن تجاربنا الجنسية ووعينا الذاتي، ويمكّننا من إقامة تواصل فعال مع الشركاء. وقبل أن نناقش رغباتنا وحدودنا بشكل صريح، علينا التعرّف إلى أجسادنا، والممارسات التي نعتبرها طبيعية، وتحديد تفضيلاتنا، مع الاعتراف بالفِتشية (fetishes) والحدود الشخصية. لذلك، علينا أن نخصص وقتًا لاستكشاف ذاتنا وجنسانيتنا.
التواصل الصريح:
من المهم أن نصارح شركاءنا برغباتنا وتفضيلاتنا وخيالاتنا وفتيشاتنا (fetishes) وحدودنا الجنسية، فمن خلال التعبير عن أفكارنا ومشاعرنا حيال الجنس، نعزز الحميمية مع الشركاء ونقوّي الروابط معهم، فيشعر كل طرف بأنه قادر على التحكم بجسده وخياراته.
لا يتحقق التراضي إلّا بالتواصل الفعال الذي يضمن إقامة علاقات جنسية مُرضية. لذا فإنّ التجارب الجنسية السليمة والمحمية والمُرضية لا تكتمل من دون التواصل.
الحدود:
نضع الحدود الشخصية لنعرّف الآخرين إلى ما نرتاح له ونتقبّله في كل الحالات، ونفعل ذلك دون اعتذار أو قلق من ردّة الفعل، فالحدود مسألة شخصية وتختلف من شخص إلى آخر.
تختلف الحدود بحسب نوعها:
الحدود العاطفية، وتشمل مشاعرنا وأفكارنا وحالتنا العاطفية.
الحدود الجسدية، وتشمل المساحة الشخصية والراحة الجسدية، مثل العناق والتقبيل وأي شكل آخر من أشكال التلامس الجسدي.
الحدود الجنسية، وتشمل الأمور التي نرتاح لها في النشاط الجنسي والممارسات الحميمية.
هذه الحدود لها أهمية بالغة في الحفاظ على روابط سليمة ومتوازنة وقائمة على الاحترام مع الآخرين، وتساعدنا في إقامة علاقات صحية ومُرضية من خلال تعزيز التفاهم والتعاطف والاحترام المتبادل. ومن الضروري أيضًا التنبّه إلى الإشارات الشفهية وغير الشفهية للتأكد من أن أطراف العلاقة يشعرون بالراحة ومستعدون للمتابعة. إنّ تجاهل الآخرين أو الضغط عليهم بعد إبداء رفضهم أو عدم رضاهم يُعدّ انتهاكًا لحدودهم الشخصية، بل هو بمثابة اعتداء جنسي.
استمرار التراضي وبطلانه:
يُعدّ التراضي عنصرًا مهمًّا في أي علاقة أو نشاط جنسي، ولا بدّ أن يكون نابعاً من اتفاق واعٍ وطوعي مستمر يؤكد أن الشخص المعني يوافق بملء إرادته ومعرفته وحماسه على المشاركة في نشاط أو فعل جنسي. والرضا يُمنح بحرية تامة، أي أنّه لا يجوز إرغام أي شخص أو تهديده أو التلاعب به للمشاركة في فعل جنسي ما. ويحق لأي طرف في أي وقت من الأوقات التراجع عن رضاه حتى وإن وافق في البداية على النشاط الجنسي، وينبغي دومًا احترام هذا القرار.
قد تتسم العلاقة بطابع الهيمنة (أي ديناميات القوة)، ونقصد هنا مثلًا الهيمنة الاجتماعية التي تنبع من عوامل عدّة كالنفوذ أو السنّ أو الجندر أو الطبقة أو المكانة، ما يؤدي إلى اختلال ميزان القوى بين أطراف العلاقة. في هذه الحالة، لا يمكن أن يمنح الشخص رضاه بحرّيّة إذا لم تكن أمامه أي خيارات سوى الخضوع لهذه الهيمنة. لذا من الضروري التنبّه لعلامات اختلال التوازن (كأن يسيطر شخص واحد على الأحاديث، أو يتخذ القرارات دون مراعاة الآخر، أو يستغل مكانته أو نفوذه للسيطرة أو التلاعب)، والسعي إلى تحقيق المساواة في اتخاذ القرارات، وذلك حفاظًا على التوازن والاحترام في كل أوجه التعامل.
قد يكون التراضي شفهيًا أو جسديًا أو عاطفيًا. ولكن يُستحسن أن يكون شفهيًا من خلال الموافقة الصريحة، لأنّ هذا النوع من التراضي هو الأكثر وضوحًا.
ينبغي أن يكون الشخص قادرًا على منح الرضا، فكلّ أطراف العلاقة الجنسية يجب أن يتمتعوا بالقدرة الذهنية والعاطفية ليتحقق التراضي التام. وهذا يعني أنّهم بلغوا السن القانونية (18 سنة وما فوق في لبنان)، ومتيقظون، وألّا يكونوا تحت تأثير أي نوع من المخدرات أو الكحول.
يتطلب التراضي التواصل والاحترام والتوافق. ومن مسؤولية كل أطراف العلاقة التأكد من آنّ الآخرين مرتاحون ومستعدون للمشاركة في النشاط الجنسي. لا غنى عن التراضي في العلاقات الجنسية السليمة القائمة على الاحترام.
بقلم:
كريستال لحود | مثقفة صحة جنسية وقابلة قانونية
كريستال لحود مثقفة صحة جنسية في مرسى حائزة على شهادة الليسانس (بكالوريوس) في القبالة القانونية وتسعى حاليًا إلى نيل شهادة الماجستير في علم النفس السريري. تكرّس كريستال جهودها في سبيل التوعية بقضايا الصحة الجنسية والإنجابية ومناصرتها.